- سؤال : لماذا تطلب الأمر نحو ربع قرن لكي يقوم ملكا إسبانيا بزيارة دولة للمغرب ؟
جواب : صحيح أن آخر زيارة دولة، التي اكتست طابعا استثنائيا، كانت في عام 1979، ولكن ملك وملكة إسبانيا زارا المغرب في مناسبات أخرى. لقد زاراه سنة 1991، وزارنا الملك بمفرده سنة 1999، بمناسبة عيد ميلاد والدي طيب الله ثراه، وعاد أياما بعد ذلك لحضور مراسم جنازته. إذن هناك علاقة وترابط وثيق بين بلدينا وبين العائلتين الملكيتين. إنني أكن إعجابا حقيقيا لملكي إسبانيا اللذين يجسدان، بالنسبة لي، الجانب الأكثر إيجابية لإسبانيا الحالية. أنا معجب بأسلوبهما وطريقة
عملهما وحسهما الإنساني. إن كونهما محبوبين من قبل كل شرائح المجتمع الإسباني، لدليل على مدى شعبية النظام الملكي. لقد أتيحت لي الفرصة لأزور إسبانيا مرات عديدة، في زيارات خاصة أو رسمية. وأقمت خمسة أيام في لاثارثويلا حيث أحسست كما لو كنت في بيتي. وأنا أقيم علاقات جيدة مع الأمير فيليبي. و آسف فقط لكوني لم أستطع حضور حفل زفافه، لقد تصادف مع انعقاد قمة لرؤساء الدول في تونس. بالإضافة إلى ذلك فإن تقاليدنا لا تسمح للملك بحضور مراسم الزفاف أو الجنازة بالخارج. غير أنني تمنيت لو أنني شاطرت الأسرة الملكية والشعب أفراحهما بهذه المناسبة.
2 - سؤال : هل ستساهم هذه الزيارة في تذليل بعض الخلافات التي برزت في السنوات الأخيرة ؟
جواب : لم تكن هناك خلافات كبيرة، فحتى عندما تكون الأمور على غير ما يرام بين البلدين، وبين الحكومتين، فإن الاتصال بيني وبين ملك إسبانيا لم ينقطع أبدا، ليس فقط من أجل مناقشة المسائل الحرجة، بل أيضا لتباحث مواضيع ممتعة. ففي كل مرة، وكلما تطلب الأمر ذلك، لم أتردد أبدا في الاتصال به هاتفيا حتى في فترات الأزمة.
3 - سؤال : من السابق لأوانه، بعد خمس سنوات من الحكم، القيام بحصيلة، غير أن الصحافة الدولية تسجل لصالحكم تبني مدونة جديدة للأسرة تساهم في ترسيخ المساواة بين النساء والرجال.
جواب : لقد أولت وسائل الإعلام اهتماما للمدونة الجديدة للأسرة لأنها كانت ضمن أحداث الساعة، ولقيت استحسانا من طرف بعض الأوساط الغربية، إلا أنه ليس الإصلاح الوحيد الذي قمت به. الإصلاحات تبدأ من القانون الانتخابي إلى مدونة الشغل مرورا برد الاعتبار للثقافة الأمازيغية وإصلاح الحقل الديني. وتعلمون، فإنني لا أمضي وقتي في تعداد الإصلاحات التي قمت بها. إنها كثيرة، وأعتقد أن كل إصلاح يجب أن يتم في الوقت المناسب. صحيح إن مدونة الأسرة تكتسي أهمية خاصة. ولقد سبق لي أن تطرقت إلى موضوع المرأة، عندما توجهت لأول مرة بخطاب إلى الأمة، كملك للمغرب. لقد قلت إنه من غير المعقول أن تظل النساء، اللواتي يشكلن أكثر من نصف السكان، مهمشات في المجتمع. وكما ترون فتلك مهمة انكببت عليها منذ البداية، حتى وإن كان إتمامها قد تطلب بعض الوقت. لقد كان من المهم التوصل إلى توافق حول المدونة الجديدة، فلو برزت هناك عرقلة ما، لما كنا توصلنا إلى ما توصلنا إليه حاليا. إنني سعيد لأنكم تحدثتم عن مدونة الأسرة وليس عن مدونة المرأة، لأنه لا ينبغي وضع المرأة في جانب والرجل في الجانب الآخر. لأن كليهما مسؤول داخل الأسرة.
4 - سؤال : هناك مبادرة أخرى غير مسبوقة في العالم الإسلامي، والتي كان لها صدى واسع، إنها جلسات الاستماع العمومية لضحايا القمع السياسي خلال الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 والتي انطلقت في دجنبر الماضي. الشهود رووا مباشرة على قنوات التلفزيون عمليات الاعتقال والتعذيب التي تعرضوا لها. غير أن البعض تحدث عن خطر إزاحة الشرعية عن المؤسسات التي يقوم عليها المغرب.
جواب : الهدف هو مصالحة المغرب مع ماضيه. فماضي المغرب هو جزء من تاريخه، وهذا أمر لا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا. وجلسات الاستماع العمومية تجري في إطار الكرامة.
وأنا على يقين بأن مقاصد هيأة الإنصاف والمصالحة (هيأة مكلفة بتعويض الضحايا) يتقاسمها المغاربة قاطبة، كما أنها ستساعد على تهيئ مستقبل أبنائهم. ولي ثقة تامة في الأشخاص الذين يوجدون على رأس الهيأة، فمبادراتها لا تثير الخلاف كما يخشى ذلك البعض، ولا تسبب أي عداوة كما يعتقد البعض الآخر. إنها تعمل على توطيد الملكية والديمقراطية في بلادنا، وترسيخ تشبث المغرب بالمبادئ الكونية لحقوق الإنسان بشكل لا رجعة فيه. وهذا المسلسل لم ينطلق بين عشية وضحاها، لقد أطلقه والدي طيب الله ثراه، سنة 1990 مع إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان. وجاء بعد ذلك العفو العام في 1994، وبعدها كان إطلاق عملية تعويض الضحايا. أما ما أعقب ذلك فأنتم تعرفونه، فقد تطلب بعض الوقت، غير أننا نوجد على الطريق الصحيح.
5 - سؤال : يرى البعض أن هذه المبادرة غير كافية، لأن الشهود لا يمكنهم الكشف عن أسماء جلاديهم ؟
جواب : بطبيعة الحال، أنا لست متفقا مع ذلك، ولهذا أؤكد بأن الأمر لا يتعلق، كما يزعم البعض، بمبادرة ستؤدي إلى تقسيم المغرب إلى قسمين. فليس هناك لا قضاة ولا أشخاص محاكمين. فلسنا أمام محكمة. إن الأمر بالنسبة لنا، يقتضي أن نقرأ، دون أي عقد ولا إحساس بالخجل، هذه الصفحة من تاريخنا. وانطلاقا من ذلك، يمكننا أن نمضي قدما في ظروف أفضل. هناك أشخاص لا علاقة لهم بالنضال الحقيقي، ولكنهم جعلوا من حقوق الإنسان تجارتهم المربحة، يحاولون أن يمنعوننا من العمل والتقدم والإستجابة إلى تطلعات المغاربة. وأعتقد أن الوقت قد حان لكي نقول لهم: الآن، وقد أخذ هذا الملف يزداد وضوحا، و لم تعد لدينا أي عقدة في هذا المجال، علينا السير قدما.
6 - سؤال : البلدان التي حققت الإنتقال الديمقراطي، انتهت جميعها إلى إقرار دستور جديد، أصبحت بموجبه السلطة التنفيذية مسؤولة أمام السلطة التشريعية. هل يمكن تصور أن يصبح المغرب ملكية برلمانية على شاكلة الملكيات في البلدان الأوروبية ؟
جواب : لا . لا ينبغي نقل نموذج أنظمة الملكيات الأوروبية. فلنا خصوصياتنا والتزاماتنا التي ترسم لنا الطريق الذي علينا أن ننهجه في المستقبل. ومع ذلك فإن دستورنا ليس جامدا. فخلال الأربعين سنة الأخيرة، كانت لنا أربع دساتير والعديد من التعديلات.
7 - سؤال : ماذا تغير في عهدكم مقارنة مع عهد والدكم الملك الحسن الثاني ؟
جواب: ربما تغير الأسلوب. فقد كان والدي، رحمة الله عليه، يقول متحدثا عني :" هو ، هو . وأنا، أنا ". لكل واحد منا أسلوبه وطريقته الخاصة في العمل. لكن المهم هو الهدف. أعرف الهدف الذي أريد بلوغه. لقد كان والدي، طيب الله ثراه، يعلم ذلك أيضا، وكان يدرك الهدف الذي يريد تحقيقه. وهذا الهدف هو هو، أي العمل من أجل تقدم ورفاهية المغرب.
8 - سؤال : هناك حزب سياسي قانوني، له مرجعية دينية يحصل على نتائج هامة حيثما تقدم مرشحوه للإنتخابات في المغرب. وهناك حركة إسلامية مسموح بنشاطها ولكن غير معترف بها، أبانت عن قدرة كبيرة في التعبئة. فهل يشكل التيار الإسلامي أغلبية في المجتمع المغربي ؟
جواب: المغرب ليس بلدا علمانيا. إنه ملكية، الإسلام فيها هو دين الدولة. فليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب، لأن مجموع الأحزاب السياسية، وليس واحدا منها فقط، يرتكز على هذه المرجعية، حتى ولو كان البعض منها يرتكز عليها بشكل أكثر بروزا من الباقي. فعلى امتداد القرون، تطور في المغرب إسلام متسامح يقوم على الإنفتاح واحترام الآخر. وهذا الإسلام حاضر في حياتنا اليومية. وبموجب السلطات التي يخولها لي الدستور، فإنني أسهر على استمراره. كما أسهر على الحريات العامة التي أعتبر
الضامن لها، حتى يكون المجال السياسي مفتوحا على كل الحساسيات السياسية، ما دامت تحترم بدقة القواعد الديمقراطية المعمول بها وثوابت البلاد.
9 - سؤال : في بعض البلدان العربية مثل جارتكم الجزائر، هناك جماعات أصولية تتبنى العنف. ألا تخشون من أن يحدث مثل ذلك في المغرب ؟
جواب: أعتقد أن الأمر يتعلق بتهديد، ليس فقط بالنسبة للعالم الإسلامي، ولكن الخطر اليوم قائم في البلدان الأوروبية أكثر منه في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط .. انظروا ماذا جرى بمدريد في مارس الماضي. لقد تم تنفيذ الهجمات من قبل
أشخاص من أصل مغربي، ولكنهم مقيمون في إسبانيا منذ سنين. كانت لهم وثائق هوية .بل إن البعض منهم كان متزوجا من إسبانيات. فالواضح أنهم كانوا مندمجين بصورة كاملة في المجتمع الإسباني. ولنتحدث أيضا عما جرى في هولندا (اغتيال السينمائي تيو فان غوخ في نونبر الماضي)، إن مرتكب هذه الجريمة هو في نفس الوقت مغربي وهولندي، لأنه ولد وتلقى تعليمه في هولندا. ولقد كانت هولندا، تعتبر نموذجا في مجال إدماج المهاجرين. لقد اقترحنا على الهولنديين إيفاد أئمة لمساعدتهم على تمكين المسلمين بهذا البلد من توجيه ديني جيد. لكن هولندا كانت دائما ترفض ذلك متذرعة بأنهم حتى ولو كان هؤلاء من أصل مغربي، فقد أصبحوا مواطنين هولنديين، وبالتالي، لم يكونوا يسمحون للمغرب بالتدخل في حياتهم الدينية أو الثقافية أو غيرها. إننا نتفهم دواعي هذا القرار. ونحترم السيادة الهولندية. إن الإرهاب يتهددنا جميعا، وعلينا أن نتعاون من أجل مكافحته.
وبخصوص الجزائر، فإنها تضررت بشكل كبير بسبب الإرهاب. ويمكنني القول إن سلطات هذا البلد، تواجه هذه الظاهرة بشكل ذكي. لم يتم تسوية المشكل نهائيا، لأن هناك بعض المناوشات، غير أنني أعتقد بأن الجزائر تنهج الأسلوب المناسب للتغلب عليه.
10 - سؤال: هل يشغلكم ما يمكن أن يطال صورة المغرب من تأثير بسبب ارتكاب أشخاص ولدوا في المغرب لاعتداءات ؟
جواب: نعم، وهذا أحد الأسباب، بالإضافة إلى الزيارة المقبلة لعاهلي إسبانيا، التي جعلتني أقبل الإدلاء بهذا الحديث. أود أن يعلم الإسبان بأنني أدرك تماما بأن صورة المغرب تثير الحذر لدى الرأي العام بعد ما جرى يوم 11 مارس. وأنوه بالحكمة التي تحلى بها المجتمع الإسباني، لقد كان متزنا جدا في لحظة قاسية ومؤلمة، وكون عدد السياح الإسبان مازال مرتفعا كما في السابق دليل على صواب اختياره. ومن نافلة القول إن المغاربة ينددون بالإرهاب مهما تكن جنسية مرتكبيه. ولكن كون الإعتداءات ارتكبت من طرف أشخاص من أصل مغربي، شكل بالنسبة إلي، وبالنسبة للعديد من مواطني، ضربة قاسية على الصعيد المعنوي.
11 - سؤال: بعد الاعتداءات التي ارتكبت في الدار البيضاء في ماي 2003، تمت محاكمة أكثر من 2000 شخص بالمغرب بتهم الإرهاب، حسب وزارة العدل. غير أن منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان اعتبرت أن القمع تم بشكل مفرط. ألم يكن الرد مبالغا فيه؟
جواب: الآن وبعد مرور الوقت على تلك الأحداث ينبغي أن نفهم، وبعد الذي جرى، أن التقييم كان مبالغا فيه شيئا ما. وأفترض أنه حتى في إسبانيا، كانت هناك، ربما، ردود فعل متعاقبة (بعد اعتداءات مدريد). ولنعد إلى المغرب، ليس هناك شك بأن تجاوزات قد وقعت. ولقد سجلنا حوالي عشرين حالة في هذا الشأن. وقد سجلت منظمات غير حكومية وكذا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان (هيئة رسمية مكلفة بمساعدة الجهاز التنفيذي) أيضا، هذه التجاوزات. وهذه الحالات هي الآن أمام المحاكم. وأود أن أغتنم الفرصة لأحيي عمل قوات الأمن والشرطة المغربية. إنهم أشخاص يشتغلون في ظروف صعبة.
ليست لدينا الإمكانيات المتوفرة لدى إسبانيا، وبالرغم من ذلك طلب منهم بعد الاعتداءات أن يكونوا معبئين باستمرار. ويجب، بأي ثمن، ألا تتكرر مثل تلك الأحداث المأساوية.
12 - سؤال: مع مجيء حكومة جديدة في شهر أبريل، عدلت الدبلوماسية الإسبانية مقاربتها إزاء نزاع الصحراء. ما رأيكم في هذه المقاربة الجديدة ؟
جواب: أود أن أقول، بادئ ذي بدء، بأنني أعرف بأن هناك نوعا من الضغينة داخل بعض الأوساط السياسية الإسبانية بشأن قضية الصحراء، رغم أن هذا الجزء الترابي - ويجب أن أؤكد ذلك - قد استرجع في عام 1975 بصفة شرعية وسلمية.
وآمل في أن تساعدنا إسبانيا، التي كانت موجودة في الصحراء، بشكل بناء، من خلال اعتماد سياسة حياد إيجابي كما تقوم بذلك دول صديقة أخرى. وقد تحدثت بشأن هذه القضية، عدة مرات، مع الحكومات الإسبانية المتعاقبة. وقمت بحثها على أن تكون إسبانيا شريكة لنا في البحث عن حل لمشكل الصحراء أخذا بالاعتبار بأن هذا التراب مغربي. ولا ينبغي أن يغيب عن الأذهان بأن هناك صحراويين لا يساورهم أي شك في مغربية الصحراء. ولن نقبل إطلاقا، لا أنا ولا الشعب المغربي، بالتخلي عن سيادة المغرب على هذه الأقاليم.
13 - سؤال: ما هو الحل الذي تدعون إليه بالنسبة لهذا الإقليم بعد استقالة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الأمريكي جيمس بيكر ؟
جواب: بالنسبة إلينا، يجب التفاوض حول حل سياسي. فمنذ عام 1996، دعت عدة بلدان المغرب، والأطراف الأخرى المعنية بهذا النزاع، إلى البحث عن سبيل بديل للإستفتاء التقليدي الذي نص عليه مخطط عام 1991 والذي اتضح أنه غير قابل للتطبيق. ومع ذلك، قبلنا الحل السياسي المعروف أيضا بالحل الثالث والمتمثل في تمكين السكان المعنيين من تدبير شؤونهم في إطار السيادة المغربية. والآن، فإننا نبحث، وبنوايا صادقة، مع الأمم المتحدة، على تحقيق تقدم على درب هذا الحل السياسي التفاوضي.
14 - سؤال: ما سبب تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر منذ بداية الصيف الماضي ؟
جواب: بصفة عامة لدينا علاقات جيدة مع الجزائر. ويجب أن نستحضر بأن أمن الجزائر يشكل أولوية بالنسبة للمغرب. فمثلا بخصوص مراقبة الحدود عملنا معا بشكل دائم من أجل ألا تجد الجماعات الجزائرية المسلحة ملاذا لها في المغرب.
إن العلاقة الشخصية بيني وبين الرئيس بوتفليقة ممتازة. غير أن هناك فرقا كبيرا بين ما تقوله الجزائر وبين ما تقوم به. إذ لا يمكنها التأكيد من جهة، بصفتها مجرد عضو في الأمم المتحدة، على تمسكها بمواقف مبدئية، مثل تقرير المصير، والقيام، من
جهة أخرى، بحملة شرسة ضد المغرب، وهي طرف معني بالنزاع. إن النقطة الأولى عادية، غير أنه يستعصي علي إدراك النقطة الثانية. ويتعين على بوتفليقة، كرئيس للجزائر، وعلي أنا، كملك للمغرب، أن نعمل من أجل تسوية الخلافات ولجعل العلاقة أكثر مرونة.
15 - سؤال: ما هو نوع الحكم الذاتي الذي يمكن للمغرب أن يطبقه في الصحراء ؟
جواب: إنها مسألة نتفاوض بشأنها مع الأمم المتحدة، ولهذا الغرض استقبلت ألفارو دي سوتو (المثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة). غير أنني أعتقد أن الوقت مازال مبكرا للتحدث في ذلك إلى الصحافة.
16 - سؤال: هل شكلت الجهود المبذولة في الصحراء عبئا عرقل التقدم الإقتصادي بباقي مناطق المغرب؟
جواب: لم يكن ذلك عبئا بل كان مهمة. فعندما استرجعنا الصحراء تبين لنا أنه لم تكن هناك بنى تحتية. وكان ينبغي القيام بمجهود خاص لأسباب اقتصادية وبطبيعة الحال لأسباب سياسية. فبعض أقاليم الجنوب عرفت في بضع سنوات نموا سريعا جدا، يفوق نسبة النمو التي شهدتها جهات أخرى. لقد بذل الاقتصاد المغربي في مجموعه مجهودا كبيرا من أجل تشجيع هذه التنمية. ونحن لسنا نادمين على ذلك، لأنه كان من الضروري القيام به.
وعلى الرغم من الاهتمام بالصحراء تمكنا من خلق مناطق تنموية أخرى. وهناك مشاريع كبرى جديدة تحققت أو توجد قيد الإنجاز ومنها على سبيل المثال ميناء طنجة المتوسط ( بين طنجة وسبتة)، وشبكة الطرق السيارة، والبنى التحتية السياحية وإحداث مناطق التبادل الحر...إلخ.
17 - سؤال : عرف توقيف المهاجرين السريين على السواحل الكنارية والأندلسية انخفاضا بنسبة 18 في المائة سنة 2004 بالمقارنة مع السنة التي قبلها. كيف تقيمون حصيلة جهود مكافحة الهجرة السرية ؟
جواب : لقد كانت هناك دائما إرادة لمواجهة هذا المشكل، ولكن المقاربة، في المقابل، تطورت خلال الأشهر الأخيرة. وإننا واعون بأن هذه الهجرة تمثل خطرا بالنسبة لإسبانيا، وهو ما ينطبق أيضا على المغرب لأن نصف المرشحين للهجرة السرية من جنوب الصحراء ينتهي بهم الأمر إلى المكوث في المغرب، وهذا ما ينبغي أن يعرفه الرأي العام الإسباني.
فقد طلبت دائما مختلف الحكومات الإسبانية من المغرب إيلاء هذه المسألة الاهتمام الذي تستحقه، وهو ما قمنا به دائما. إننا نحاول، مع ذلك، العمل بأقصى ما يمكن من النجاعة. واجتزنا مراحل مختلفة تمثلت أولاها في زيادة عدد القوات التي نتوفر عليها لهذا الغرض. أما المرحلة الثانية فتمثلت في تدارس مختلف الآليات المستعملة والقيام بتنسيق أفضل. ولهذه الغاية، تمت المبادرة سنة 2003 إلى إحداث مديرية جديدة بوزارة الداخلية مكلفة حصريا بمحاربة الهجرة السرية، وما يترتب عنها من تهريب للأشخاص والمخدرات ...الخ.
18 - سؤال: إن الإجراءات المتخذة في نهاية سنة 2003 حققت ما يكفي من النجاح في الشمال، ولكن درجة نجاحها كانت دون ذلك بكثير في الصحراء، في المنطقة المقابلة لجزر الكناري.
جواب : صحيح أننا بدأنا باتخاذ إجراءات في مضيق جبل طارق، الذي كان إلى وقت قريب يشكل الإنشغال الأكبر للإسبانيين. أما الآن فضغط تدفق الهجرة تزايد في الجنوب في اتجاه جزر الكناري. ولهذا أعطيت قبل بضعة أسابيع تعليمات من أجل أن تكون الآلية في الجنوب على نفس درجة الإستحكام التي يعرفها الشمال.
19 - سؤال : ماذا يمكن لإسبانيا وأوروبا أن تفعلاه لمواجهة هذه الظاهرة ؟
جواب : يجب العمل سويا. فقبل سنوات، وقبل الإعلان، سنة 2004، عن إحداث دوريات مشتركة، كان الحرس المدني والدرك المغربي والبحرية الملكية يعملون على تضافر طاقاتهم. فهذا التعاون لم يعلن عنه للعموم، ولكنه مكن من تحقيق نتائج مشجعة بما فيه الكفاية. وقد طلبنا دائما من إسبانيا والاتحاد الأوروبي في مجموعه تمكيننا من الوسائل الضرورية لمكافحة هذه الآفة. وهذا الخصاص مازال قائما، وأنا مقتنع بأن إسبانيا مدافع جيد عن قضيتنا لدى أوروبا، وهي على كل حال البلد المؤهل أكثر من غيره للتعريف بخطورة هذه المسألة.
20 - سؤال : اقترحت إيطاليا إحداث مراكز اعتقال لمرشحي الهجرة السرية بإفريقيا الشمالية ، وهي الفكرة التي تجاوبت معها ليبيا . ما هو رأيكم في هذه الفكرة؟
جواب : إن المشكل بين ليبيا وإيطاليا لا يطرح على النحو ذاته بين المغرب وإسبانيا. فتدفق الهجرة من ليبيا في اتجاه الساحل الجنوبي لأوروبا تدفق قليل. كما أن ليبيا يفصلها عن جزيرة " بانتيليريا " الإيطالية 50 أو 60 كيلومترا، بينما لا يفصل بين بلدينا إلا 14 كيلومترا، وهذا يعني أن 90 في المائة من المرشحين للهجرة السرية يشعرون بالإنجذاب إلى المغرب في المقام الأول. إننا على استعداد لحل هذا المشكل بين المغرب وإسبانيا، ولكن في ما يتعلق بهذه المراكز، فأنا لا أعتقد أنها ستساهم في حل هذا المشكل.
21 - سؤال: في أكتوبر 2001 تم استدعاء سفير المغرب بإسبانيا للتشاور وهو ما تسبب في أزمة ثنائية كامنة. لماذا اتخذتم هذا القرار؟
جواب : تدهورت علاقاتنا مع إسبانيا فجأة بين أبريل وأكتوبر 2001 . فقد سجلنا آنذاك تصريحات ومواقف في ملتقيات مختلفة كانت معادية بشكل صريح لسياسة واقتصاد وأمن المغرب. وقد دفعني توالي هذه الوقائع إلى استدعاء السفير بمدريد للتشاور لإثارة انتباه الحكومة الإسبانية إلى موقفها السلبي. وبدل الأخذ بعين الإعتبار كون الأمر انتهى بنا نحن المغاربة إلى دق ناقوس الخطر، تصرفت السلطات الإسبانية كما لو أن الأمر فاجأها واستمرت على النهج ذاته حتى اندلاع النزاع على جزيرة توره
الصغيرة (التي يطلق عليها الإسبانيون بريخيل).
22 - سؤال: لماذا قرر المغرب أن يكون له تواجد عسكري دائم على هذه الجزيرة ؟
جواب : لقد ذهب الأمر، في إسبانيا، إلى حد القول إن المغرب غزا أرضا إسبانية. إن عودة أقاليم الشمال إلى المغرب بدأت في سنة 1956 واستمرت حتى 1959، وقد انسحب الإسبان حينئذ من تلك الأقاليم بما في ذلك الجزيرة الصغيرة. فجزيرة توره لم تكن مشمولة بالنزاع التاريخي حول سبتة ومليلية. وخلال الستينات كانت قوات مغربية تتواجد بجزيرة توره ولم يصدر أبدا أي رد فعل عن فرانكو، فهل يكون أثنار، يا ترى، أكثر فرانكوية من فرانكو ؟
أما لماذا قمنا مرة أخرى بإرسال قوات إلى الجزيرة الصغيرة، فلأنه كان يتم اتهامنا بكوننا لا نبذل ما يكفي من الجهود للحيلولة دون الهجرة السرية. فقبل غزو الجزيرة من قبل القوات الإسبانية، جرت مناقشات على جميع المستويات. وكانت
الدبلوماسية الإسبانية تؤكد لنا وقتها أن الأمور لن تصل إلى حد حدوث صراع بين البلدين، وأنه سيتم التوصل إلى حل دون اللجوء إلى القوة. لقد شعر المغرب بالإهانة بعد ذلك عندما رأى كيف تم التعامل معه. شعر بالإهانة عندما رأى سفنا حربية إسبانية ومروحيات تحاصر وتقتحم صخرة تقع على بعد 50 مترا فقط من الشاطئ لتوقيف 11 شخصا وتكبيل أيديهم ونقلهم إلى سبتة قبل تسليمهم إلى السلطات المغربية عبر باب سبتة.
وأود الآن أن أشيد بآنا بلاثيو. إن الدبلوماسية تتعارض مع المدافع، بصفة عامة، والوزيرة دافعت باستماتة، لبعض الوقت، عن قضية شديدة التعقيد وفوق طاقتها ولكن الأمور لم تكن بيد الدبلوماسية الإسبانية.
23 - سؤال: بالنسبة للمغرب، ماذا تغير بين الحكومتين الإسبانيتين السابقة والحالية ؟
جواب : ألخص ذلك في كلمة واحدة: الثقة. فالوزير الأول ثباتيرو وحكومته يثقان في جدية المغرب كمخاطب وشريك وجار. وفي الوقت الراهن تجدد الإحترام المتبادل بيننا.
24 - سؤال: ألا تحتفظون بذكرى طيبة عن خوسي ماريا أثنار ؟
جواب: لا يمكنني قول ذلك. سيكون الأمر تبسيطيا جدا. فكل منا يعمل لصالح بلده. صحيح أنه كان من الممكن أن تكون العلاقات أفضل. وصحيح أنني لا أحتفظ بذكرى طيبة. لقد أتيحت لي فرصة اللقاء به قبل النزاع الذي باعد بيننا وبين إسبانيا. وأقر أن علاقاتنا كانت عادية كفاية. وما حدث بعد ذلك ألقى بظلاله على هذه العلاقات. لقد أصبت بخيبة أمل لانعدام الثقة إزاء المغرب.
25 - سؤال: هل أضرت هذه الأزمة بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب ؟
جواب : لحسن الحظ، فقد تم الحفاظ دائما على المصالح العليا للمغرب وإسبانيا. وفي ما يتعلق بالأمن، وبشكل ملموس بالإرهاب، فإن التعاون بين مصالحنا الأمنية لم يتضرر أبدا.
26 - سؤال : لقد عزز المغرب علاقاته مع الولايات المتحدة من خلال إبرام اتفاقية التبادل الحر. فهل تقوية الروابط مع الولايات المتحدة تتناسب مع إقامة علاقات متميزة مع الاتحاد الأوروبي؟
جواب: إن المغرب، بحكم خصوصيته الجغرافية والجيو- سياسية، لا يمكنه أن يكتفي بتعزيز روابطه مع جيرانه في الشمال والشرق فقط. هذا زيادة على أن أوروبا آخذة الآن في التوسع نحو الشمال والشرق. ولذلك نجد أنفسنا، في المغرب، ملزمين، بألا نضع بيضنا كله في سلة واحدة. وإسبانيا، وعلى عكس عدد من الدول الأخرى، لم تدل بأي موقف بخصوص هذه الإتفاقية، ذلك أنها تعتبر أن الأمر هنا يتعلق بقضية تندرج في إطار السيادة المغربية. ولقد سرني أيضا ما لاحظته من أن بعض المقاولات الإسبانية أصبحت تعكس صورة رائعة عن المغرب. فهي تستثمر في المغرب وتجعل منه منطلقا لها نحو الأسواق الأمريكية. وما عدا ذلك، فليس هناك من شك في أن الثقافة المغربية هي ثقافة ذات طبيعة متوسطية أكثر منها أنغلوساكسونية. ولهذا السبب لا أفهم لماذا جاءت ردود فعل بعض الأوساط الأوروبية سلبية إزاء هذه الإتفاقية المبرمة مع الولايات المتحدة.
إن الأمر يتعلق هنا بمبادرة جاءت لتكمل، وليس لتعوض، الإتفاقيات المبرمة بين المغرب والاتحاد الأوروبي. إننا بلد له خصوصياته ومنخرط تماما في مسلسل برشلونة، ومهما يكن من أمر، فإننا لا نبعد عن السواحل الأوروبية سوى ب 14 كلم.
27 - سؤال: لقد أطلق الرئيس جورج بوش مشروعا للإصلاح الديموقراطي في العالم العربي تحت إسم "مبادرة الشرق الأوسط الكبير". كيف تنظرون إلى هذه الفكرة ؟ وهل سيصبح المغرب، كما تأمل واشنطن في ذلك بكل وضوح، التلميذ النموذجي لهذا المشروع ؟
جواب: لقد استقبلت في شهر مارس بالحسيمة مساعد كاتب الدولة مارك غروسمان. وقد جاء ليعرض أمامي هذا المشروع. وقلت له في البداية أننا لسنا جزءا من الشرق الأوسط الكبير، وأنه لا يجب وضع العالم العربي برمته في خانة واحدة، فالمغرب يقع في المغرب العربي، بشمال إفريقيا. لدينا نقاط مشتركة عدة مع أصدقائنا في الخليج والشرق الأوسط، غير أنه لا تواجهنا نفس الحقائق. وقلت له بعد ذلك إن هذا المخطط يتضمن إصلاحات، ولكن في ما يتعلق بنا فإننا لم ننتظر هذه المبادرة للقيام بمثل تلك
الإصلاحات التي كنا نعتبرها ضرورية. وفضلا عن ذلك فقد أنجزنا الكثير في هذا المجال دون مساعدة. قلت له في الختام .. لا يجب أن يغطي هذا المخطط على مشاكل أخرى. إنه يدعو البلدان الأخرى إلى التطور، لكن العديد منها لا يمكنه القيام بذلك طالما بقيت هناك نزاعات مثل القضية الفلسطينية، وحاليا العراق. إنه لمن الخطأ محاولة فرض نموذج معين. ومع ذلك فإن لدينا علاقات ممتازة مع الولايات المتحدة البلد الصديق. لكن كوننا أصدقاء لا يعني عدم قول الأشياء بوضوح.