"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه .
حضرات السيدات والسادة أعضاء البرلمان،
إننا نعتبر افتتاحنا الدستوري للسنة التشريعية، فرصة لمخاطبة النخبة النيابية والسياسية، ومن خلالها شعبنا الأبي، حول قضاياه الكبرى. كما أن حرصنا المتجدد على تبادل المشورة معكم في أحوال الأمة، لا يعادله إلا شعورنا القوي، بجسامة الأمانة، والتزامنا بمنهجيتنا في الحكم، التي تجعلنا نتوخى إشراك البرلمان في بلوغ الهدف الأسمى لبناء مغرب ديمقراطي موحد، منتج وتضامني، متقدم ومنفتح.
ونود أن نعرب عن اعتزازنا بإجماع كل مكونات الشعب المغربي حول التوجهات الاستراتيجية، التي حددناها في خطاب العرش. كما نشيد باستعداد الأحزاب السياسية للانخراط فيها، وتجاوبها مع حرصنا على نهوضها بدورها الأساسي في التوعية والتأطير، وتكوين نخبة مؤهلة لتدبير الشأن العام ورفع التحدي المصيري للتنمية الشاملة، بالمنهج الحضاري للديمقراطيـة الحقة لذلك ارتأينا أن نركز خطابنا على تقوية دور الأحزاب، بإيجاد إطار تشريعي جديد وفعال يستمد فيه الحزب شرعيته القانونية من مشروعيته الديمقراطية. ويأتي بإجابات جماعية متميزة عن قضايا مجتمعية عريضة. وليس تلبية لمطامح شخصية أو فئوية ضيقة.
إن من شأن هذا القانون، الذي ندعوكم للتداول فيه وإقراره، خلال هذه السنة التشريعية، أن يساعد على عقلنة وتجديد، وتحصين المشهد السياسي الوطني، وتحفيز الأحزاب المتجانسة على الاتحاد في أقطاب قوية. كما أنه يعد تجسيدا لحرصنا على توطيد التحديث المؤسسي، بما يكفل عدم إضرار التعددية الحزبية العشوائية، بالقطبية السياسية الفعالة. بل إننا نتوخى من هذا القانون، أن يساهم في تمكيننا في أفق انتخابات2007، من التوفر على خارطة سياسية واضحة تتيح لنا وفقا لنتائج الاقتراع، إناطة المسؤولية الحكومية بأغلبية برلمانية منسجمة في برامجها وقطبيتها، على أن تقـوم الأقلية بدور المعارضة البرلمانية البناءة، في احترام لحقوقها.
بيد أن هذا القانون المؤسس يظل غير كاف، ما لم يواكبه برنامج تعاقدي للتأهيل الشامل للمشهد السياسي والإعلامي. برنامج تكون الدولة شريكة لهيآته ووسائطه، بمدها إياهم بوسائل العمل. وذلك في مراعاة لإشعاعها ولتمثيليتها النيابية، المستمدة من نظام انتخابي فعال وملائم. وفي نطاق احترام إحداثها وبرامجها، وطرق تمويلها وتسييرها وأنظمتها الداخلية، للديمقراطية والشفافية. وكل ذلك في ظل سيادة القانون ومراقبة القضاء.
وكما أكدنا على ذلك في خطاب العرش، فإننا حريصون على أن يتمخض هذا القانون عن توافق إيجابي يسمو به إلى أعلى الدرجات. وعن تشاور واسع وبناء، يجسد غيرتنا على هيآتنا السياسية، ونبذنا للتحامل المجاني عليها، أو التنكر الرخيص لها. فكل الأحزاب الوطنية قد ساهمت، سواء من موقع الأغلبية أو المعارضة، في توطيد صرح الدولة الحديثة للحق والمؤسسات، في نطاق الملكية الدستورية. إن هذا المشروع الذي نعتبره لبنة أساسية للسير قدما بالانتقال الديمقراطي إلى الأمام، يقتضي تأهيل العمل النيابي، بتجاوز البرلمانية التمثيلية الكلاسيكية إلى البرلمانية العصرية. وذلك بترسيخ ممارسة برلمانية مواطنة، ترفض المزايدات السياسوية العقيمة. برلمانية ناجعة تشجع الشراكة مع الفاعلين العموميين والخواص. وإننا لندعوكم إلى الإسهام من خلال ديبلوماسية نيابية فعالة ومنفتحة، في الإشعاع الدولي للمغرب، والدفاع عن مصالحه العليا. فالبرلمانية الجديدة هي فضاء لممارسة السياسة باعتبارها فن الممكن، ولغة الحقيقة "والمعقول". وليست مجالا للشعبوية والديماغوجية. وذلكم هوسبيلنا الوحيد لتحقيق مصالحة المغاربة مع العمل السياسي النبيل.
وستظل الديمقراطية السياسية صورية وهشة، إذا لم تدعمها التعبئة والمشاركة المكثفة لتحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية قوية ومستديمة. بل إن أعداء الديمقراطية قد يوظفون ما توفره من حريات للقضاء عليها، مستغلين بؤس المحرومين ويأسهم.
ومن ثمة كان تركيزنا على أن يتواكب التحديث السياسي، بمكاسبه الهامة، في مجال ترسيخ دولة الحق والمؤسسات،مع إصلاحات كبرى في مجال تفعيل التضامن الاجتماعي،وتوطيد التحديث الاقتصادي.
وفي هذا السياق فإننا نعتبر أن المناخ العام مناسب، أكثر من أي وقت مضى قصد إعطاء الإقلاع الاقتصادي وتيرته القصوى، لتحقيق نمو اقتصادي قوي وقار، موفر لفرص الشغل المنتج للشباب.
وإننا لندعو الحكومة وكل الفاعلين إلى اغتنام هذه الفرصة التاريخية، واثقين من توفرنا على العزيمة الراسخة، والمؤهلات الضرورية للنجاح ولكسب رهاناتها، مستشعرين بأن الظرفية الوطنية والدولية، بالرغم من مصاعبها وطوارئها لا تسمح لنا بإخلاف موعدنا التاريخي مع هذا التحدي المصيري.
كما نحث الحكومة على مواصلة مضاعفة الجهود، لإزاحة كل العوائق أمام حاجة البلاد الملحة لتحفيز الاستثمار المنتج، والتوظيف الأمثل لكل الإمكانات والطاقات المتاحة لنا، داخل وخارج البلاد، والإقدام على اتخاذ القرارات الشجاعة والصائبة، التي تتطلبها المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى للبلاد. وبذلكم تجسد توجهنا الراسخ نحو السير بالإقلاع الاقتصادي دوما إلى الأمام، ضمن رؤية واضحة وتقدم موصول إلى الأعلى، لا رجعة فيه.
كما يتعين على الحكومة، اتخاذ القرارات الحكيمة والجريئة التي تتطلبها المصلحة العليا للوطن والمواطنين، من خلال ابتكار حلول جريئة ومسؤولة، للمعادلات الوطنية الصعبة. معادلات التوفيق بين الحفاظ على التوازنات المالية والاجتماعية، وبين إكراهات أعباء التسيير الاستهلاكية، ومستلزمات تمويل الاستثمار المنتج، وأيضا بين دينامية توسيع الحريات العامة والفردية، وبين متطلبات الحفاظ على النظام العام، تفاديا للفجوة بين التطور الديمقراطي والواقع الاجتماعي.
حضرات السيدات والسادة البرلمانيين،
إن على كل المواطنين، أن يتحلوا بروح الإلتزام، والارتفاع إلى مستوى المرحلة الحالية. مرحلة من حقنا الاعتزاز بكوننا نضع فيها أركانا عتيدة، لبناء مغرب اليوم والغد. ولكن من واجبنا اليقظة والتعبئة. واستشعار أن بلدنا يواجه تحديات استهداف ديمقراطيته وهويته المتميزة، من طرف الإرهاب والتطرف المحدق بالعالم كله. ومحـاولات النيل من وحدته الترابية من لدن خصومها والأطماع الخارجية، وإعاقة تقدمه من قبل ضعف الإنتاجية، والتنافسية والتنمية البشرية.
ومهما كانت جسامة هذه التحديات، فإن رفعها رهين، بتعبئتنا الشاملة، وعملنا الدؤوب وصمودنا لبناء مجتمع ديمقراطي تنموي. وهذا ما يشهد به تاريخ المغرب العريق. فقد ظل بفضل الالتحام الوثيق بين الشعب والعرش، منارة للحرية وقلعة حصينة في وجه الكيد والمؤامرات، وأطماع الهيمنة، معبأً للدفاع المستميت عن حريته وأمنه ووحدته. كما سيبقى متشبثا بأسلوبه الحضاري في الحوار والانفتاح، والوفاء بالعهود، وحسن الجوار، والحرص على استقرار فضائه الاستراتيجي.
وسنواصل قيادة وتعبئة شعبنا الوفي على هذا النهج القويم. وكما أعلنا عن ذلك في أول خطاب للعرش، فإننا لا نملك عصـا سحرية لحل كل المعضلات. بيد أنني أؤكد لشعبي الأبي، أن لدينا ما هو أقوى من ذلك ألا وهو العزم الأكيد والتفاؤل الملتزم بتوجه مستقبلي واعد، كفيل بجعل نور الأمل والعمل والاستبشار، يهزم ظلام اليأس والتشاؤم والتخاذل، سلاحنا الوحيد هو إرادتنا الراسخة التي هي من إرادة شعبنا واثقين في قدرتنا الجماعية على رفع تحديات الحاضر والمستقبل بالتحام وإقدام وإيمان.
"إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا". صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".