"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه.
صاحب الفخامة السيد جيانغ زيمين رئيس جمهورية الصين الشعبية
أصحاب المعالي
يسرنا غاية السرور أن نرحب بالغ الترحاب بضيفنا الكبير فخامة السيد جيانغ زيمين رئيس جمهورية الصين الشعبية الصديقة وبأعضاء الوفد المرافق لسيادته بمناسبة زيارة الدولة التاريخية لمملكتنا تلبية لدعوة كريمة كان قد وجهها إلى فخامته والدنا المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه. فجلالته كان طيلة حياته شغوفا بالتراث الحضاري الصيني الأصيل وبإشعاعه وتفاعله أخذا وعطاء مع باقي الحضارات الإنسانية بقدر ما كان رحمة الله عليه معجبا بما أوتي به الشعب الصيني من حكمة وعبقرية ومن قدرة عالية على الجمع والتوفيق بين مزايا الأصالة والمعاصرة بتوازن واتزان.
فخامة الرئيس.
لقد شاءت الأقدار الإلهية برحيل والدنا المنعم إلى الرفيق الأعلى أن يعود إلينا شرف استقبالكم ومقابلتكم للعمل والتفكير معكم في اتخاذ مبادرات و وضع مشاريع جديدة تعود على علاقتنا الثنائية وتعاوننا المشترك بالخير العميم لصالح شعبينا وذلك وفاء لروح جلالته الطاهرة الذي كان يولي اهتماما خاصا لتقوية العلاقات وتنمية التعاون بين بلدينا.
فخامة الرئيس.
إن بلدكم العريق مهد حضارة زاهرة ساهمت بقسط وافر في إثراء الحضارة الإنسانية وتفاعلت بشكل إيجابي متواصل مع حضارتنا العربية الإسلامية عبر العصور والأجيال فالإشعاع الحضاري لبلادكم لا يزال موضوع إعجاب وإكبار.
إن مشاعر التقدير والاعتبار التي تبادلها الشعبان المغربي والصيني منذ القدم تأججت أكثر وملأت قلوب كل المغاربة اعترافا منهم لتضامن وتآزر الشعب الصيني معهم ماديا ومعنويا طيلة مرحلة كفاحهم ونضالهم من أجل الاستقلال والحرية.
وهنا أستحضر ببالغ التأثر وقائع الزيارة الرسمية التي قمنا بها لبلدكم المضياف في نونبر 1991 ونحن آنذاك ولي العهد وما تلقيناه من حفاوة الاستقبال وكريم الضيافة من طرف الشعب الصيني وقيادته تعبيرا منهما على ما يكنانه من مشاعر نبيلة للمملكة المغربية ملكا وشعبا وعرفانا منهم بأن بلدنا كان سباقا غداة استقلاله إلى إعلان اعترافه بصين واحدة في ظل جمهورية الصين الشعبية وإبرام العلاقات الدبلوماسية معها معتبرا مندوبيها الرسميين لدى هيأة الأمم المتحدة وفي حظيرة باقي المحافل الدولية الأخرى الممثلين الشرعيين الوحيدين للشعب الصيني.
ولا يغيب عن ذهننا بهذه المناسبة الحميمة الزيارة الكريمة التي قام بها إلى مملكتنا الرئيس الراحل السيد يانغ شانكون سنة 1992 حيث كان لها الأثر البالغ في نفس والدنا المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه كما ساهمت بصفة جلية في توطيد أواصر الصداقة والتعاون بين بلدينا.
فخامة الرئيس.
إن علاقتنا الدبلوماسية التي احتفلنا في السنة الماضية بالذكرى الأربعين لتأسيسها تستمد قوتها ومقوماتها من هذا الرصيد الحضاري المشترك وتقوم على ثوابت وقناعات نبيلة وعلى مبادئ سامية تتمثل في الاحترام والتقدير المتبادلين وفي الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفي إجراء التشاور بينهما حول القضايا ذات الاهتمام المشترك والعمل على تنسيق المواقف في شأنها.
ولا يسعنا إلا أن نعبر عن ارتياحنا لجو الثقة والمودة والتفاهم الذي يطبع علاقتنا والذي كرسته الزيارة الرسمية التي قام بها وزيرنا الأول للديار الصينية في دجنبر 1998 على رأس وفد رفيع المستوى يضم بعثة هامة من رجال الأعمال في مختلف القطاعات.
وينبغي والحالة هذه توسيع مجال تعاوننا ليصبح شموليا ومتعدد الجوانب ويرقى إلى مستوى شراكة متميزة في القرن الحادي والعشرين.
ونسجل بهذه المناسبة أن حجم المبادلات التجارية قد ارتفع بين بلدينا إلا أنه لم يرق إلى المستوى المنشود وسنسعى مستقبلا على الرفع منها تمشيا مع المصلحة المشتركة بين البلدين.
فخامة الرئيس.
إن السياسة الخارجية لمملكتنا متشبثة بالثوابت النابعة من خصوصيات بلادنا التاريخية والجغرافية والعقدية وبالقيم والمثل العليا لشعبنا وبالالتزامات الدولية التي أخذناها على أنفسنا بحكم عضويتنا في الهيآت الدولية والإقليمية كمنظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي وحركة عدم الانحياز.
إن المملكة المغربية بقدر ما تدعو إلى التعايش السلمي بين الدول وإلى التسامح والوئام بين الشعوب وإلى الحوار والتقارب بين الديانات والحضارات بقدر ما تندد باللجوء إلى القوة والعنف وتشجب كل أنواع التطرف والإرهاب وكل ما من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار في العالم.
إن عالمنا اليوم يعيش أزمات حادة في مختلف أرجائه خاصة في القارة الإفريقية التي تعد في الوقت الراهن مسرحا لنزاعات مسلحة ولحروب أهلية وتطاحن على السلطة ومرتعا للأوبئة والمجاعة والأمية مما يستدعي تحرك المجتمع الدولي لإنقاذ القارة السمراء من كارثة مهولة.
إن هذه الوضعية تشكل مصدر انشغال كبير لمملكتنا التي تربطها بالدول الإفريقية علاقات متميزة. لذا وبدافع التضامن الإفريقي وبحكم انتمائه إلى القارة الإفريقية فان المغرب كان دائما وأبدا يسعى إلى إقامة تعاون ثلاثي أثبتت التجربة إيجابيته وفعاليته.
وفي هذا الصدد ننوه بحرارة بالتضامن والمساندة التي ما فتئ بلدكم يقوم به لفائدة القارة الإفريقية. ونعتبر هذا الموقف نموذجا يقتدى به كما نعبر لكم عن استعداد مملكتنا لضم جهودها إلى جهودكم في إطار تعاون ثلاثي مثمر وبناء الغاية منه نقل خبرتنا وتجربتنا لشركائنا الأفارقة خصوصا في مجالات حيوية كالتأهيل والتكوين.
فخامة الرئيس.
إن المملكة المغربية أعطت المثال الواضح في التشبث بالمشروعية الدولية واحترامها عندما تقدم والدنا أكرم الله مثواه بأول بادرة من نوعها في تاريخ السياسة الدولية وذلك في مؤتمر القمة الإفريقية بنيروبي سنة 1981 حيث أعلن رحمه الله أن المغرب وإن كان صاحب حق يستند على التاريخ وعلى قرار محكمة العدل الدولية فانه وتأكيدا لمشروعية هذا الحق دوليا طالب بتنظيم استفتاء شعبي في أقاليمنا الجنوبية بمشاركة جميع الصحراويين الأصليين المنحدرين من هذه الأقاليم تحت رعاية الأمم المتحدة.
وقد جددنا غير مامرة التزامنا بهذا الموقف الشجاع مؤكدين رغبتنا الصادقة في حل هذه القضية نهائيا لتصفية الأجواء بمنطقتنا ولفتح الطريق أمام بناء صرح المغرب العربي الكبير الذي نعتز بالانتماء له.
ويجدر بنا في هذا الصدد أن نشيد بالموقف النزيه لجمهورية الصين الشعبية حول هذه القضية وهو موقف يخدم المشروعية الدولية.
إن المغرب كسائر الدول العربية يثني على المواقف الثابتة لبلادكم من القضايا العربية الأساسية المتمثلة في دعمها للشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل استرجاع حقوقه الشرعية وإقامة دولته وكذا في مطالبتها بانسحاب القوات الإسرائيلية من جميع الأراضي العربية المحتلة ومعارضتها للضربات الجوية التي يتعرض لها العراق ومطالبتها برفع الحصار المفروض عليه وباحترام السيادة والوحدة الترابية لهذا البلد.
وإذ نجدد لفخامتكم عبارات التقدير والاحترام متمنين لكم مقاما طيبا بين ظهراننا ندعو الجميع للوقوف إكبارا لضيفنا الكريم.