"الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
صاحبي الجلالة
أصحاب السعادة
حضرات السيدات والسادة
أود في البداية أن أعبر لكم عن تشكراتي على الاستقبال الحار ومشاعر التقدير التي أحطتمونا بها منذ وصولنا إلى إسبانيا البلد الجار والصديق.
كما أود أن أعبر لكم عن مدى سعادتي وتأثري البالغ لوجودي بينكم في هذا القصر الملكي حيث تقاسمت أسرتانا لحظات جد موءثرة.
وقد كانت جلالة الملكة صوفيا وصاحبة السمو الملكي الأميرة للامريم طوال السنوات الأخيرة أفضل شاهدتين على العلاقة المتميزة والمحبة المنقطعة النظير التي كانت تربط جلالتكم بوالدنا جلالة المغفور له الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته.
وبفضل هذه الروابط الراسخة الجذور وبالرغم من تقلبات التاريخ فقد عرف المغرب واسبانيا كيف يبقيان دائما على الحوار ويحافظان على الثقة بينهما.
صاحبي الجلالة
إن المغرب البلد العربي المسلم المتجذر في إفريقيا وإسبانيا-البلد الوفي لتقاليده والذي أصبح واجهة للاتحاد الاوروبي الذي يوجد في أوج تمدده- ليتوفران على كافة الشروط ويتمتعان بكل الموءهلات لفتح الطريق أمام تعزيز وتطوير تعاون متميز وطموح وواقعي على ضفتي حوض المتوسط.
فماذا فعلنا-يا صاحب الجلالة- بهذا الموعد الذي حدده التاريخ والجغرافيا لبلدينا. لقد فعلنا الكثير بكل تأكيد،خصوصا إذاما أخذنا بالحسبان الأشواط التي قطعناها على الصعيد الإقتصادي حيث تضاعفت مبادلاتنا التجارية في أقل من عشر سنوات. وعرفت الاستثمارات الخاصة تطورا هاما. وأصبحت تعمل بالمغرب نحو ثمانمائة شركة إسبانية.
لقد أصبح تعاوننا الثنائي قائما على استمرارية وتعدد الانشطة وذلك بفضل الإطار القانوني الجديد والبراغماتي الذي عرفنا كيف نصوغه ونضمن له البقاء.
وأقصد بذلك اتفاقية الصداقة وحسن الجوار والتعاون التاريخية الموقعة في الرباط سنة 1991 والتي تشكل إطارا فريدا كفيل بتعزيز علاقاتنا والدفع بها.
وأقصد أيضا لجنة ابن رشد وكافة المنظمات الاخرى التي تعمل جاهدة في سبيل تعبئة مجتمعينا المدنيين من أجل تحقيق تعارف أمثل وتفاهم متبادل واجثتات ما ترسخ من الطابوات والأحكام المسبقة التي ما زالت تعيق وتضعف أحيانا الرصيد الهائل للروابط الحميمية بين شعبينا.
لقد تم تحقيق منجزات هامة في مختلف مجالات التعاون بيننا وخاصة في أقاليمنا الشمالية.
ولكن هل يمكن اعتبار هذه الانجازات في مستوى طموحاتنا، وهل هي تستجيب لهذه الشراكة الاستراتيجية المتسمة بالتضامن والتطوع والشمولية التي سعى إليها المغرب وإسبانيا منذ زمن طويل.
بالنسبة لي، يا صاحب الجلالة، ورغم كل ما عددته من انجازات، فاننا لم نبلغ بعد غايتنا و ما زلنا بعيدين عن الهدف المنشود، ذلك أنه غالبا ما يكفي بعض التوتر لتعود الحيطة من جديد ويسود الشك.
إننا لم نفلح بعد سويا في خلق فضاء للمصالح المشتركة والمتكاملة يكون مقرونا باحترام كافة الأوجه والأبعاد السيادية لبلدينا.
صاحبي الجلالة
فلنتصور للحظة واحدة وجود شراكة مبتكرة جدية متوازنة مستوحاة من المنطق والتقدم تأخذ بعين الاعتبار متطلباتنا المتبادلة المتعلقة بالأمن والوحدة والسيادة والتنمية المشتركة. شراكة قائمة على عقد للثقة تطبعها روح المسوءولية والطموح والمصداقية.. بيد أن هذه الشراكة ما زالت في حاجة إلى البناء.
إن هذا الهدف هو هدف واقعي لأنه يرتكز على مصالح وواجبات الطرفين كليهما. وهو بصفة خاصة هدف مشروع لأنه يستمد قوته من مواقفنا وردود أفعالنا الضاربة جذورها في الاعماق والتي كيفتها وصقلتها قرون من التاريخ المشترك
لذلك يبدو لي- يا صاحب الجلالة- أن الوقت قد حان لمقاربة مغايرة لمصيري شعبينا.
إن هناك حواجز تعترض بطبيعة الحال شراكتنا في مجالات الفلاحة والصيد البحري وانتقال الاشخاص والممتلكات والخدمات بين المغرب واسبانيا. إن هذه الحواجز والخلافات لن تزول إلا بمراجعة وتصحيح إطار تعاوننا وعلاقاتنا حتى يصبح إطارا ديناميكيا وطموحا تتجلى فيه بوضوح مشروعية متطلباتنا في السيادة السياسية والاقتصادية والترابية.
فعلينا إذن أن نجتاز سويا هذه المرحلة النهائية. ولدي القناعة التامة بأنه بمجرد زوال ندوب الماضي ستتحرر الطاقات الخلاقة في بلدينا كما ان وتيرة وحجم ما سنشيده ونحققه سويا سيحدان من ءاخر السلبيات التي خلفها لنا التاريخ ويمحواها.
صاحبي الجلالة
إن هذا الأفق الجديد الذي ترتسم معالمه بالنسبة للمغرب وإسبانيا يتعدى بكثير البعد الثنائي ويتجاوز حدود علاقاتنا. وإن هذه الشراكة المغايرة والطوعية-التي ءامل صادقا قيامها- سيكون لها انعكاس ايجابي ليس فقط على العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بل أيضا على كل المسلسل الأورومتوسطي الذي تبلور في برشلونة قبل خمس سنوات. ذلكم المسلسل الطموح الذي ما زال في حاجة الى خطوة سياسية من شأنها أن تضفى عليه مجددا طابع المصداقية والواقعية.
إننا- يا صاحب الجلالة- لنتقاسم في هذا الصدد أيضا مسوءولية اغتنام فرصة تاريخية من شأنها تحقيق إشعاع دبلوماسي وريادة إقليمية لبلدينا.
لقد أشرت قبل قليل الى السلبيات التي خلفها لنا التاريخ في هذا الجزء من العالم لكنه خلف لنا أيضا ارثا ومزايا. منها ذلكم التراث الذي تركته لنا نخبة من المفكرين الاندلسيين والذي ما فتىء يفاجئنا بمنحاه الانساني وموضوعيته وحداثته في فجر الألفية الثالثة هذا.
إننا لمؤتمنون واياكم على ذلكم الإرث والتراث اللذين مازالت منطقتنا في أمس الحاجة إليهما لتجديد فرص النجاح لمسلسل السلام في الشرق الأوسط الذي انطلق التفاوض بشأنه ووضع التصور المتعلق به قبل حوالي عشر سنوات هنا في مدريد.
لقد تم قطع جزء من المشوار بكل تأكيد. وقد ساهم المغرب بدوره في ذلك. إلا أنه مازال يتعين القيام بما هو أهم وذلك باحترام جميع الالتزامات وتنفيذها بما يضمن المساواة في الحقوق والكرامة للجميع. وأذكر هنا الاراضي العربية التي ما زالت محتلة وكذا الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشريف والتي ينبغي أن تنضم في أسرع وقت إلى المنظومة الأممية.
إن كسب هذه المعركة لمتوقف في نهاية المطاف على ايجاد الثقة بين الفلسطينيين والاسرائيليين. إن بمقدور بلدينا اللذين يتقاسمان ذاكرة مشتركة-خصبها حوار الثقافات والأديان- أن يقدما في هذا الشأن أيضا مساهمة فريدة وحاسمة وذلك من خلال التأكيد لكافة الفاعلين في عملية السلام على حقيقة أكثر تحفيزا ألا وهي نبذ الحقد ورفض الاقصاء.
صاحبي الجلالة..
إنه على المغرب وإسبانيا تغيير وتيرة العمل لبناء فضاء للتعاون والتضامن والحداثة. فضاء جد واعد ينبغي أن يكون قضية للجميع. فقد ولى ذلك الزمن الذي كانت فيه الدول تعتد بنفسها وتعتبر أنها المسوءولة الوحيدة عن مصيرها.
إن هذا الافق الجديد الذي استعرضت معالمه يجب أن تتجند له الهيئات المنتخبة والجمعيات والمقاولات ووسائل الاعلام والجامعات. وإني لأعبر في هذا الإطار عن سروري للتظاهرات المتميزة التي ستنظم في كل من اسبانيا والمغرب سنة 2002 لأنها تظاهرات ستتيح تعارفا أفضل بين شعبينا.
وعلى أمل تحقيق ذلك أختم كلمتي هذه- ياصاحب الجلالة-بالاشادة مرة أخرى بفرادة وحميمية وغنى علاقاتنا.
وأدعوكم أيتها السيدات والسادة للوقوف احتراما للعائلة المالكة باسبانيا التي نتمنى لافرادها موفور الصحة وللشعب الاسباني مزيدا من السعادة والرخاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".