"الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نتوجه مجددا، إلى الفاعلين العموميين والخواص، الذين ما فتئوا يبذلون الجهود الحثيثة، من أجل تطوير السياحة الوطنية، التي تحظى بعنايتنا السامية، اعتبارا منا للدور الهام الذي ينهض به هذا القطاع، في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي في بلدنا.
وتعد هذه المناظرة مناسبة سانحة للفاعلين في هذا القطاع، للوقوف على حصيلة ما تم إنجازه من تقدم، في إطار تنفيذ الإستراتيجية السياحية الوطنية، وللانكباب الجماعي على تشخيص ورصد التحديات الرئيسية، التي يتعين مواجهتها، بكل الفعالية الممكنة، معتمدين في ذلك مبادئ التقييم الموضوعي، ومستلهمين فضائل المشاركة الإيجابية.
لقد اعتبرنا "رؤية 2010" للسياحة الوطنية، التي أعلنا عنها في خطابنا ليناير 2001، بمثابة رافعة للتنمية في المغرب. وحينها كانت أهداف هذه الرؤية تبدو صعبة المنال. وها نحن اليوم، قد بلغنا منتصف الطريق في اتجاه الأفق المحدد، بعدما قطعنا أشواطا هامة، حيث أصبحت هذه الرؤية تتحول إلى واقع ملموس، يعكس عزمكم على الإسهام في تحقيق الأهداف المنشودة، وجعل هذا القطاع ذا مردودية عالية بالنسبة للمغرب، بما يحقق التنمية الشاملة، في أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبشرية والمحلية.
وبرغم إكراهات الظرفية العالمية، التي لم تكن مواتية على الدوام، والتي لا تزال تتسم بركود اقتصاد الدول الأكثر تصديرا للسياح، فإن إنجازات القطاع تبعث على الارتياح، حيث إن بلادنا عرفت، منذ انطلاق العمل برؤية 2010، نموا متزايدا لأعداد السياح، الذين يفدون إليها سنويا، وكذا أعداد ليالي المبيت السياحية.
ومع أن الطاقة الإيوائية الإجمالية للمنشآت الفندقية، قد عرفت نموا مطردا، وإن بوتيرة منخفضة، مقارنة بالسنوات الماضية، فإن التقدم الحاصل في الأوراش الخاصة بالمناطق السياحية الجديدة، في المدن والمحطات الشاطئية، المزمع إحداثها مستقبلا، سيشكل لا محالة، طفرة نوعية للرفع من هذه الطاقة الإيوائية.
وإذا كان عدد السياح، وحجم الطاقة الإستيعابية، يعدان عنصرين أساسيين في استراتيجيتنا، فإن الرفع من جودة المنتوج السياحي، ينبغي أن يبقى أحد الأهداف الرئيسية، التي نصبو إليها، في انسجام تام مع هويتنا، وفي مراعاة للقيم الأخلاقية والحضارية لبلادنا.
حضرات السيدات والسادة،
تميزت الشراكات المبرمة، في إطار تهيئة وتطوير محطات سياحية كبرى، بالتعامل مع مقاولات دولية، لها الريادة في مجال تدخلها. كما أن إصلاح قطاع النقل الجوي، الذي تم استكماله خلال السنة الماضية، وكذا تحرير الأجواء في بلادنا، الذي تعزز بتوقيع أول عقد - الأجواء المفتوحة-، قد كان لهما الفضل في إقدام شركات طيران جديدة، مشهود لها بذيوع الصيت والريادة، على العمل داخل السوق المغربية.
كل هذا يبرز مجددا، رسوخ الوعي لدى الفاعلين الدوليين، بالمميزات الجغرافية والسوسيو ثقافية، التي يزخر بها المغرب، وبالإمكانات التي يتيحها لإنجاز المشاريع وللاستثمار. كما يدل ذلك على ثقتهم في بلادنا وبمشاريعها، وتقديرهم لتقاليدها العريقة، المتميزة بكرم الضيافة، وروح التسامح والانفتاح.
بيد أن تنويع المنتوج السياحي قد أضحى ضرورة ملحة. وتشكل الجهات، في هذا الصدد، أحد العناصر الأساسية لتحقيق هذا الهدف. لذا، وفي إطار نفس المنظور، الذي تندرج ضمنه اللامركزية، والذي يعزز صلاحيات الجهات، ويوسع دائرة اختصاصاتها، ينبغي الشروع في عملية حقيقية، للتأهيل السياحي للمدن، واعتماد سياسة لإعادة تحديد وضع الوجهات السياحية التقليدية.
وفي هذا الإطار، تم توقيع عقود برامج خاصة بالتنمية الجهوية السياحية، بين بعض الجهات والدولة. وسيجري في أقرب الآماد، توقيع عقود برامج مماثلة. ولتحقيق هذه الغاية، نهيب بالفاعلين المعنيين، للإسراع في توسيع دائرة المناطق، التي تشملها هذه البرامج، لتحقيق تغطية وطنية متناسقة تشمل جميع الجهات، وذلك داخل الآجال المناسبة.
كما أن الدولة لن تتوانى، من جهتها، في الوفاء بالتزاماتها، بتوفير الإمكانات الضرورية، في إطار العقد البرنامج لرؤية 2010، وذلك بفضل المساهمة الهامة لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والزيادة المبرمجة في ميزانية المكتب الوطني المغربي للسياحة، والتي ستدعم الجهود المبذولة، للتعريف بالصورة الجذابة للمغرب في الخارج، عن طريق اعتماد وسائل حديثة، وانتهاج استراتيجية جديدة ومتناسقة.
حضرات السيدات والسادة،
على الرغم من هذه الإنجازات التي تبعث عموما على الارتياح، هناك العديد من التحديات، التي لا تزال قائمة، سواء تعلق الأمر بتوفير العدد المطلوب من الأسرة، في الأفق المحدد، وذلك عن طريق إحداث بين 15 و20 ألف سرير جديد سنويا. أو بالرفع من عدد مالكي الوحدات الفندقية. أو بتحقيق التوازن بين الوجهات السياحية الوطنية، لاسيما عن طريق التعريف، داخل شبكات التسويق العالمية، بالوجهات المغمورة، التي يظل استغلال مؤهلاتها السياحية دون المستوى المطلوب، وذلك بنفس القدر، الذي تحظى به الجهات المشهورة.
وفي هذا الصدد، يتعين على شركاء القطاع، العموميين والخواص، تعزيز الترويج لمنتوجات سياحية وطنية، ذات جودة عالية، وكذا تسويقها. كما ينبغي لهم العمل على تطوير السياحة الداخلية، بما يستجيب لاحتياجات الأسر المغربية، لاسيما الأسر ذات القدرة الشرائية المتوسطة.
إن توفير كل الظروف المواتية لتجسيد "رؤية 2010"، يظل رهينا بمدى قدرتنا على تأمين موارد بشرية، ذات مؤهلات عالية، في مختلف المهن والخدمات، المرتبطة بالسياحة. لذا، ينبغي تعزيز كل الإنجازات، التي تحققت حتى الآن، بهدف تأهيل الموارد البشرية، العاملة في هذا القطاع، وذلك في إطار تلاحم وثيق بين القطاعين الخاص والعام
وإننا ندعو كافة المتدخلين في القطاع، إلى الاستمرار في التحلي بنفس روح التعبئة والالتزام، التي أبانوا عنها حتى الآن. ذلكم هو المغزى العميق، للإرادة التي تحدونا، لرفع تحديات "رؤية 2010"، ولجعل التنمية السياحية رافعة قوية لخلق الثروات، وتوفير فرص الشغل، ولتنمية بلادنا، وتحقيق انفتاحها على العالم وتفاعلها معه
ولنا اليقين، في أن الأفكار والمقترحات الوجيهة، التي ستنبثق عن أشغالكم، ستسهم في بلوغ هذه المرامي والأهداف
سدد الله خطاكم، وحقق لمناظرتكم كامل التوفيق والنجاح
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته."