"الحمد الله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله واله وصحبه
شعبي العزيز
لقد شاء الله تعالى أن تعرف بلادنا الجفاف في هذا العام بعد أن نعمت في بداية الموسم الفلاحي بأمطار خير بعثت على أمل لم يلبث للاسف الشديد أن خاب وتبدل قنوطا وان أخذ هذا الشعور اليائس يخف استبشارا بما بدأ ينزل منها في معظم الجهات مصداقا لقوله عز وجل.. "وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد".
فمنذ عدة سنوات حدثت تحولات في دورات الطقس جعلت المغرب في وضع صعب بسبب نقص الامطار وتصريفها مما اخضع فلاحينا والعالم القروي على العموم لمفاجات الجفاف.
ان العمل المتبصر الذي قام به والدنا المنعم جلالة الملك الحسن الثاني تغمده الله بواسع رحمته سمح لمملكتنا أن تتوفر على ذخيرة من السدود الكبيرة والبحيرات التلية وبالتالي على شبكة من البنيات التحتية لاستغلال الماء وعلى أجهزة تقييمية وأدوات قانونية وتقنية مما يتيح اليوم لحواضرنا وبوادينا أن تكون في مأمن من الافتقار للماء الشروب وأن تمد المناطق السقوية بامكانات مائية وأن تتحمل بدون أخطار كبيرة نتائج الجفاف المتكرر.
لقد تميز عهد والدنا المقدس طيب الله ثراه كما تعرف شعبي العزيز بمنجزات هامة في هذا المجال وبقرارات حكيمة وأفكار نيرة ومرجعيات متقدمة يحق بها للمغرب أن يفخر باعتباره أمة جادة رائدة عرفت كيف تتوقع بنظرة مستقبلية بعيدة وتتكيف مع تقلبات دورات الطقس وتنمي قدراتها الذاتية لمقاومة الاثار السلبية لهذه الدورات.
فبفضل الله عز وجل وتوفيقه واستفادة من هذا الميراث الغني يواجه بلدنا بمنأى عن وخيم العواقب أثار الجفاف الذي يتعرض له والذي يشكل في نظرنا حافزا حاثا على تحديد منعطف حاسم في تدبيرنا للتنمية الفلاحية والقروية وسببا قويا للتخلي عن الاساليب التقليدية المتجاوزة.
ان الحتميات الطبيعية لطقسنا والمصادفات الطارئة التي يخضع لها اقتصادنا القروي بشكل متكرر ويعانيها الذين يعيشون عليه تدعونا بالفعل الى التخطيط لاستراتيجية تنموية دائمة للعالم القروي والى معالجة الجفاف بأسلوب عقلاني حاسم وليس باعتباره حدثا دوريا يستلزم حلولا وقتية.
اننا نريد أن تكون بلادنا ورعايانا المخلصون بالبوادي في مأمن من الاثار غير المتوقعة للطقس بادماجهم في اطار مجتمعي مستقر مما يقتضي مراجعة خططنا للتنمية الفلاحية والقروية وانماط انتاجنا حتى يوءسس على دعائم متجددة توءمن رغم تقلبات الطقس الاكتفاء الذاتي الغذائي والتوسل بأشكال اقتصادية جديدة في الوسط القروي هي اليوم غائبة كالسياحة والصناعة التقليدية او الخدمات.
وفي هذا الاتجاه ندعو حكومتنا أن تحدد مفاهيم هذه الاستراتيجية ومقوماتها وأن تعرض على نظرنا في أقرب الاجال جملة العناصر المكونة لمقاربتها ومجموع الافكار والمحاور الجوهرية التي ستبنى عليها هذه الخطط بواقعية وتلاوءم مع المحيط البيئي الموجهة اليه.
وفي انتظار بلورة هذه الروءية المتطورة فان اثار الجفاف الذي تعرفه بلادنا والصعوبات التي تواجه رعايانا لاسيما في البوادي والتي نبادلهم احساسا عميقا بها تلزمنا أن نشملهم بفائق رعايتنا وكامل تضامننا ونمدهم بكل مالدينا من سند.
شعبي العزيز..
ان عزمنا على مواصلة مسعى التنمية وتامين إطار حياة كريمة لكل الفئات الاجتماعية وخاصة منها التي هي أكثر حرمانا والتي يشغل وضعها فكرنا ويستقطب عطفنا يوجب علينا في هذه اللحظات الصعبة أن نعلن لهم موءازرتنا وأن نعمل على توفير ما يتطلعون اليه من عيش هنيء رغيد.
ان بلدنا يعاني لعام ثان على التوالي ازمة جفاف مطبوع بخصاص مهم في الامطار وبانخفاض واضح في انتاج الحبوب والزراعات السكرية والخضراوات والاشجار وبما ينتج عن ذلك من نقص في القيمة المضافة الفلاحية وضياع مناصب الشغل.
ان أثار هذه الحال التى مست كل أقاليم المملكة تجلت كذلك في الانخفاض المحسوس لمخزوننا المائي مما يثير للسكان والماشية في عدد كبير من المناطق مشاكل جسيمة للتزود بالماء الشروب.
ان طبيعة هذا الجفاف تفرض علينا تعبئة جميع الطاقات وكل الامكانات لمواجهة الوضع ولتوجيه عمل حكومتنا نحو الاقاليم المصابة ورعايانا المتضررين من خلال حركة تطوعية للموءازرة والمساندة ودفع قوي للتضامن الوطني.
وفي هذا الصدد أعطينا لوزيرنا الاول ولحكومتنا توجيهات ملحة ترمي الى بلورة برنامج مستعجل لاعادة توزيع الخيرات العمومية ومشاريع الاستثمار وفرص الشغل للتخفيف من الاثار السلبية للجفاف.
شعبي العزيز
اننا نريد ان يتسنى لرعايانا الاوفياء ان يجدوا في هذا البرنامج الاستثنائي وسائل ناجعة لتعويض ما ضاع منهم وللتغلب على المصاعب التى تعترضهم وللعيش بعزة وكرامة.
وقد اصدرنا تعليماتنا لوزيرنا الاول كي تعبىء الحكومة والجماعات المحلية والموءسسات العمومية كل إمكاناتها لانجاح هذا البرنامج التضامني الوطني بانجاز مجموعة من الاعمال الكبرى وتوجيهها بصفة خاصة للوسط القروي والمناطق المحيطة بالمدن .
ويقتضي الامر على الخصوص تأمين التزويد الكافي والمستمر بالماء الشروب للمراكز القروية المحتاجة مع استعمال جميع الوسائل المتاحة وكذا تزويد البلاد بالحبوب عبر توزيع واسع النطاق لاخلاف الخسائر المنتظرة مع ضمان توفير منتظم لعلف الماشية بهدف حماية ثروتنا الحيوانية. ويقتضي الامر كذلك الالتزام ببرنامج شامل لاحداث ورشات تتيح اكثر مايكون من فرص الشغل لليد العاملة التى تعاني ضياع مناصب العمل الموسمي اضافة الى تخفيف الدين على الفلاحين الصغار وانقاذ الثروة الغابوية.
شعبي العزيز
ان تضافر معطيات هذا البرنامج مع مجالات الاستثمارات العمومية التى ندعو أعضاء حكومتنا الى تسريع العمل بها سيمكن الى حد كبير من تعويض ما ضاع من انتاج ومن امكان التشغيل في الاوساط القروية.
وموازاة مع هذه الوسائل التى أمرنا بتخصيص مكاسبها مباشرة للعالم القروي ولرعايانا المتضررين فقد قررنا مساهمة فعالة لصندوق الحسن الثاني وموءسسة محمد الخامس.
ان جزءا من عائدات الرخصة الثانية للهاتف المحمول التى كان والدنا المكرم رضوان الله عليه يأمل ان تكون عامل تحريك للاقتصاد واستقطاب روءوس الاموال وتنشيط الاستثمارات سيوجه لفائدة هذا المسعى التضامني لمواكبة البرنامج المقترح وتمكين الاقتصاد الوطني في هذه الفترة الحرجة من دفعات اضافية لانعاشه.
كما ان موءسسة محمد الخامس ستكون بدورها منضمة الى هذا المجهود الوطني لفائدة المناطق المعنية بتقديم التجهيزات والادوات اللازمة للامداد بالماء الشروب وبالمساعدة على اقامة مراكز مائية وتجهيزها بالصهاريج الضرورية.
لذا فقد أمرنا حكومتنا ان تحفز كل الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين وسائر منظمات المجتمع المدني للمساهمة التأزرية وبروح المواطنة الحق لتقوية عمل السلطات العمومية وتوسيع دائرة هذه المساهمة ليصل نفعها الى الذين اصابتهم أثار الجفاف.
شعبي العزيز
ان هذا المسعى الحميد الذي عبرنا عنه بصراحة لفائدة العالم القروي ينبغي ان يجد في هذه الحركة التضامنية على الخصوص وفي الاهتمام الدائم البنيوي على العموم وفق ما حددنا لحكومتنا استجابة سريعة ملموسة وواقعية تتلاءم وما يحث عليه ديننا السمح الحنيف من تكافل وتعاون.
ان رعايانا في البوادي يتطلعون بمشروعية الى الحق في التنمية والى العيش بكرامة وانصاف وتقدير. وبما انهم معرضون لمفاجات الجفاف واضطراب دورات الطقس فإنهم يستحقون من حكومتنا حرصا دائما وجهدا متواصلا بهدف تطوير امكانات انتاجهم وتحسين مواردهم ومنحهم اطارا لحياة أفضل.
وحتى يتاح لرعايانا الذين يتكبدون عواقب الجفاف ان يستفيدوا من هذه العملية بما يخفف وقعه عليهم فقد اصدرنا تعليماتنا كي تكون البرامج المقررة والمشروعات المسطرة مستجيبة للمتطلبات الحقيقية والملحة على ساحة الواقع وكي تكون نافعة بشكل مباشر للذين هم اليها في امس الحاجة.
وفي هذا الاتجاه وفي نطاق منظورنا الجديد للسلطة أمرنا وزيرنا في الداخلية وولاتنا والعمال ان يعملوا بحزم حتى يحقق هذا الجهد التضامني غاياته وأهدافه وحتى ينتفع منه على الفور رعايانا الاوفياء المتضررون.
لذا فإننا نهيب بهم ان يجدوا في تحديد الحاجات وان يبحثوا عبر الاتصال المباشر بالمواطن عن أنسب الحلول لحصر المشاريع بتعاون مع اجهزة الادارة والمجالس المنتخبة والمنظمات غير الحكومية وان يسهروا على تنفيذها في اقرب الاجال وبأكثر مايكون من الفعالية والشفافية.
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون" صدق الله العظيم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
وحرر في القصر الملكي بالرباط يوم الاحد 26 ذي الحجة عام 1420 ه الموافق 2 أبريل سنة 2000 م ".