وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس رسالة سامية إلى المشاركين في المؤتمر العام الرابع عشر لمنظمة المدن العربية الذي افتتح اليوم الخميس بمدينة مراكش .
وفي ما يلي نص الرسالة الملكية التي تلاها الوزير الاول السيد إدريس جطو ، في افتتاح هذا المؤتمر المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس :
"الحمد لله ، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب السمو والمعالي ،
أصحاب السعادة عمداء المدن،
حضرات السيدات والسادة،
يطيب لنا أن نرحب بأعضاء منظمة المدن العربية، وكافة المشاركين في مؤتمرها العام الرابع عشر، من وزراء وعمداء ورؤساء ومنتخبي عواصم ومدن الأقطار العربية الشقيقة، وبممثلي الجمعيات والمنظمات الدولية والجهوية والوطنية، المهتمة بالتنمية الحضرية.
ونود الإعراب لكم عن عميق تقديرنا للدور الطلائعي، الذي تقومون به من أجل تطوير المدينة العربية. كما نشيد باختياركم لمدينة مراكش، للمرة الثانية، بعد سنة 1990، لاحتضان هذه التظاهرة العربية الكبرى، رعيا لما لها من عراقة تاريخية، وعمق عربي، ورمزية الحوار بين الحضارات، والملتقيات العالمية .
وبهذه المناسبة ، نستحضر بكل تقدير ، المنجزات الهامة التي حققتها منظمتكم العتيدة، في خدمة الحواضر العربية، والتي أهلتها لتحظى بثقة الحكومات العربية، وتقيم علاقات متميزة مع جامعة الدول العربية، بفضل نبل أهدافها، وتجربة وحنكة المسؤولين عليها، وحجم ونوعية المدن المنخرطة في حظيرتها.
وفي هذا السياق، تتجلى أهمية هذا اللقاء، سواء من حيث عدد وأهمية المشاركين، أومن حيث أهمية الموضوع، الذي اخترتموه لهذا المنتدى العربي للمدن، والذي يجسد تطلعكم إلى بلورة سياسة جديدة في تدبير المدن . سياسة للتنمية الحضرية تقوم على فتح المجال أمام المبادرات، وتفعيل سبل التعاقد والتشارك، من أجل تحقيق تنمية مستدامة للمدن العربية.
أصحاب السمو والمعالي،
أصحاب السعادة عمداء المدن،
حضرات السيدات والسادة،
في عالم تسوده العولمة والتنافسية، أصبحت المدن مدعوة أكثر مما مضى، لتوطيد علاقات التعاون الدولي اللامركزي والشراكة فيما بينها، ومع أطراف أخرى، وطنية وأجنبية والإفادة من خبرات المدن العالمية الكبرى التي نرحب بعمدائها ، سبيلها وهدفها تضافر الجهود، وتعبئة الموارد المادية والبشرية، واستغلال التجهيزات، لتحقيق برامج ومشاريع مشتركة. وعمادها في كل ذلك، احترام خصوصيات المدن وثوابت ومقدسات كل بلد، بما يضمن التنمية المستدامة، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية والثقافية، وتعمل على تعزيز مبادئ الديمقراطية المحلية، واللامركزية، وتلازمها مع اللاتمركز الإداري، واعتماد الحكامة الجيدة وسياسة القرب، محققة بذلك رفاهية وطمأنينة ساكنتها.
وفي هذا الصدد، يتعين أن تلعب المدينة دور الشريك الحقيقي في مسلسل التنمية الشاملة، بما في ذلك تحقيق التنمية القروية، وتمثل قوة اقتراحية إلى جانب الدولة والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لتفعيل مختلف الإستراتيجيات التنموية، على المستويات الوطنية والجهوية والمحلية، والبيئية.
ومن الأكيد، أن الجماعات المحلية لم تعد فضاءات أو مؤسسات جامدة، بل تعتبر امتدادات لوحدات إدارية واقتصادية أخرى، تتفاعل مع بعضها البعض، في إطار من التكامل والتنافس في آن واحد. لذا، فإن قوتها أصبحت اليوم، تكمن في قدرتها على التآلف والتكامل والتآزر، والانخراط في أنظمة وشبكات تعاونية وتشاركية، وطنية ودولية.
وفي نفس السياق ، فقد أضحى من مقومات الحكامة الجيدة، التحديد الدقيق لمحاور التنمية الحضرية، الكفيلة بتثمين المؤهلات التنافسية لمدننا، وإخضاع مجهود التنمية لمنطق التجديد والابتكار، واللجوء إلى تقنيات ترويج السياسة الترابية، واعتماد آليات فعالة للشراكة والتعاون. وتشكل هذه العوامل كلها عناصر للنجاح، لا غنى عنها، للارتقاء بمدننا إلى فضاءات للتساكن والعيش الكريم، في حفاظ على هويتها الأصيلة وطابعها الحضاري المتميز.
وحتى نعطي للشراكة، باعتبارها آلية لتحقيق التنمية المستدامة، بمدننا وقرانا، كامل فعاليتها ومدلولها، لابد من تسخيرها عبر آليات التحفيز والتشجيع، لخدمة التنمية البشرية، حتى تستجيب للإشكاليات الاجتماعية. وذلك بتوفير الظروف المواتية لجلب الاستثمار، وتنشيط الشغل، والمحافظة على البيئة، والتقليص من الفوارق الاجتماعية، والفقر والتهميش والإقصاء، وبالتالي التصدي لنزوعات الانغلاق والتطرف والإرهاب.
أصحاب السمو والمعالي،
أصحاب السعادة عمداء المدن،
حضرات السيدات والسادة،
إن المغرب، كباقي الأقطار العربية الشقيقة، لواع كل الوعي، بالرهانات والتحديات الجديدة، التي تواجهها مدننا في شتى المجالات. وهذا ما جعلنا نحث حكومتنا والمنتخبين المحليين، في كل المناسبات، لوضع تصور إستراتيجي وشامل، من أجل النهوض بالوحدات الترابية، على اختلاف أنواعها ومستوياتها. تصور يقوم على مبدأ التعاقد والشراكة بين الدولة والجماعات المحلية، والقطاع الخاص والمجتمع المدني، وبناء أقطاب جهوية متجانسة جغرافياً، ومتكاملة اقتصادياً، ومنسجمة اجتماعياً وثقافياً، خدمة للمصلحة العامة وضماناً للتنمية الشاملة المندمجة. وكل ذلك في نطاق اعتبار التنمية الحضرية رافعة قوية لبنائها الموصول لمغرب موحد، وعصري، ومتقدم، مصون السيادة التامة، موحد التراب، متلاحم المكونات البشرية.
وتعتبر برامج التنمية والتهيئة والتأهيل العمراني، التي حظيت بها مدن الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، في صدارة مسار الجهوية واللامركزية الذي نقوده، وتنخرط فيه كافة مكونات الأمة بقوة وإجماع.
وترسيخاً لهذا التوجه الديمقراطي التنموي الوحدوي، فقد اقترحنا مبادرة لتخويلها نظام حكم ذاتي، كحل توافقي ونهائي للنزاع المفتعل حول مغربيتها. وتعد مدينة العيون، الأثيرة لدى المغاربة قاطبة والشعوب العربية، التي تمثلون فئاتها الحضرية وقواها الحية، العضو الفاعل في منظمتكم، كمثيلاتها في شمال المملكة، خير مثال على نجاعة مقاربة الشراكة والتعاون، في بلورة برامج التنمية المحلية.
وإننا لندعو إلى ترسيخ التعاون الديمقراطي والتنموي الملموس بين المدن العربية،والارتقاء به، والترجمة الفعلية لعلاقات التوأمة والأخوة التي تجمعها، تدعيما لعمل منظمتكم، وجعلها قوة فاعلة في المحافل الدولية، للدفاع عن القضايا العادلة لأمتنا،والمساهمة في الدبلوماسية الموازية.
وإننا لواثقون من أن هذه التظاهرة العربية المتميزة، ستشكل مناسبة سانحة لتعميق التفكير الجدي، والحوار البناء، وتبادل الخبرات بين الأشقاء العرب، لتقديم اقتراحات عملية وطموحة، وتفعيل العمل العربي المشترك، ودعم علاقات التعاون والشراكة بين المدن العربية، لجعلها فضاءات للمواطنة الكاملة، ومجالات للتساكن والتضامن، وليس مجرد بنايات عصرية، عديمة الروح العربية الأصيلة، في صلة الرحم والتراحم والتعارف.
ونود في الختام أن نجدد الترحيب بكم ضيوفاً كراماً في بلدكم الثاني المغرب، متمنين لكم طيب المقام بين ظهرانينا، في هذه المدينة العريقة التي يمتزج فيها، في انسجام، عبق التاريخ، ونسيم الحداثة، في تناغم بديع بين الأصالة والمعاصرة. وتلكم روح المدنية، وسر تألق المدن، وفي مقدمتها العربية، التي نحيي من خلالكم، إخواننا الأعزاء قادة بلدانها الأشقاء، وسكانها الكرام، رمز النهضة العربية.
أعانكم الله، وكلل بالنجاح والتوفيق أعمالكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته".